المنتدى والماس تايمز
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

المنتدى والماس تايمز

المنتدى والماس تايمز
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

  القدر والقضاء(2): المصيبةُ

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ayoubox المدير العام
Admin
ayoubox المدير العام


المساهمات : 243
تاريخ التسجيل : 22/06/2011
العمر : 27
الموقع : https://oulmestimes6.yoo7.com

 القدر والقضاء(2): المصيبةُ	 Empty
مُساهمةموضوع: القدر والقضاء(2): المصيبةُ     القدر والقضاء(2): المصيبةُ	 Icon_minitimeالخميس يونيو 23, 2011 11:00 pm


بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله
أمَّا المصيبةُ فهي من الله تعالى، ولكنها تصيبُ الإنسانَ لحكمةٍ أرادها الله:
قال
الله تعالى(مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي
أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ
ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ
وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ
فَخُورٍ) [الحديد: 22-23]
وكلمة (لِكَيْلا) تفيدُ التعليلَ، فما
من مصيبة إلا بسبب، ولها عند الله هدفٌ معلومٌ، وأجل مسمَّى، وحكمة بالغة،
تظهر للمتبصرين، وتَخفى على الغافلين.
وفي سورة النساء [78]:
قال
الله تعالى(أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ
فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ
عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ
عِنْدِكَ قُل كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا
يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً)لقد جرتْ عادةُ الناس قديماً
وحديثاً أنهم إن نالوا خيراً، أو فازوا به، قالوا: هذا كله من عند الله،
وإن نزل بهم شر، أو أصابهم سوء عقاباً لهم على ضلالهم وانحرافهم، نسبوا ذلك
لمن يكرهون أو يحسدون، وقالوا له: هذه من عندك. وهذا بعضُ ما قاله الكفار
لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الآية الكريمة، فردَّ اللهُ تعالى
عليهم، مُبَيِّناً أنهم قومٌ جاهلون، لا يفقهون، ولا يدركون الحقائقَ لعدم
إيمانهم اليقيني، إذ لو كمل إيمانُهم لعلموا، وأيقنوا أَنَّ كلاًّ من
الحسنة والسيئة من عند الله وحده، فَهُو سبحانه يجزي المحسنين خيراً مما
عملوا، ويجازي المسيئين بمثل ما أساؤوا، زجراً وردعاً لهم في الدنيا،
وجزاءً وفاقاً في الآخرة. فأنت تقرأ في سورة النجم [3]:قال الله تعالى(لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى)
وفي سورة التحريم [7]:قال الله تعالى(يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا
تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)
وفي سورة سبأ قصَّة قومٍ عاشوا في نعيم كبير،
فكفروا بأنعم الله، وتحاسدوا وتباغضوا، وأعرضوا عن الله وشريعته، فهدم الله
عليهم سدَّ مأرب، وأرسل عليهم سيلَ العرم، فتفرقوا أيادي سبأ، وتشتَّتوا
في البلاد، ومُزّقوا كلَّ مُمَزَّق. لِمَ كان ذلك العذاب؟ كان بسبب كُفرهم:
قال الله تعالى(ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ) [سبأ: 17]
وفي سورة يس يذكر لنا اللهُ تعالى أنَّ أصحاب قرية – والأغلب أنها إنطاكية – جاءها المرسلون، فكفروا بهم، وقالوا لهم:
قال الله تعالى(إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ) [يس: 18]
أي: تشاءمنا منكم؛ لانقطاع المطر عنا، ونزول القحط والبلاء بنا. فكان جوابُ المرسلين لهم:
قال الله تعالى(قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) [يس: 19]
أي:
إنَّ كُفْركم وإعراضكم عن الله والحق هو سببُ ما حلَّ بكم من سوء، وبلاء،
فأنتم لا تهتدون – وإن ذكرتم – لأنكم ضالُّون، مسرفون، مصرُّون على ذلك.
وآية سورة النساء [78] التي شرحناها، لو تابعنا التلاوة لقرأنا بعدها الآية [79]:
قال الله تعالى(مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ)
فالحسنةُ من الله تعالى وبفضل منه:
قال الله تعالى(لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ) [سبأ: 4]
والسيئة ذات شطرين:
1- سبب.
2- وعقوبة.
فأما السَّببُ فهو من العبد؛ لكفره، وظلمه، وإعراضه:
قال الله تعالى(وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ) [الشورى: 30]
وأما العقوبةُ فهي من الله تعالى:
قال
الله تعالى(إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً * لِلطَّاغِينَ مَآباً *
لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً * لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً
* إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً * إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً * جَزَاءً
وِفَاقاً) [النبأ: 21-26]
فالعقوبةُ إذاً جزاءٌ عادل، وفاق لما اقترفت أيدي الكفار والمجرمين، ولما فرّطوا في جنب الله:
قال
الله تعالى(إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَاباً * وَكَذَّبُوا
بِآياتِنَا كِذَّاباً * وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً * فَذُوقُوا
فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَاباً) [النبأ: 27-30]
وهكذا يظهرُ لنا العدلُ الإلهي الحقُّ جليًّا في الثواب والعقاب:
قال الله تعالى(إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لَأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا) [الإسراء: 7]
قال الله تعالى(مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) [فصلت: 46]
وهاتان الآيتان تفسِّران بوضوحٍ آيتي النساء السابقتين [78-79] فتأمل.
وفي سورة الجن [10]:
قال الله تعالى(وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً)ففعل
(أَرَادَ) بُني للمجهول حيث ذكر الشر (أُرِيدَ). وبُني للمعلوم حيث ذكر
الرشد والخير. وذكر الفاعل: (رَبُّهُمْ ) إشارة إلى أن الحسنة والخير من
الله، أما السيئة(الشر) فسببها جهل الإنسان وفسقه، والعقوبة من الله تعالى
بعد ذلك عدل، وردع، وزجر.
أمَّا حين يُصاب الأنبياءُ والصالحون، فإنَّ
في ذلك رفعاً لدرجاتهم، وزيادة في ثوابهم وحسناتهم، وتنبيهاً للنَّاس كي
يقتدوا بهم في صبرهم، ورضاهم بقضاء الله وقدره، وحُسْن تصرُّفهم في
الملمّات بما يرضي الله تعالى، فلا يقفوا عن العمل، ولا يفقدوا الأمل،
يصبرون في الضرّاء، ويشكرون في السَّرَّاء.
وفي الحديث الشريف:قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم«ما يُصاب المسلمُ من نصب، ولا وصب، ولا همّ،
ولا غمّ، ولا أذى، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفَّر اللهُ بذلك من
خطاياه»(رواه البخاري ومسلم).
و:قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم«عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كلّه له خير، وليس ذلك
إلا للمؤمن، إن أصابته ضرّاء صبر، فكان خيراً له، وإن أصابته سرّاء شكر،
فكان خيراً له»(رواه البخاري ومسلم).
والإنسانُ مطالبٌ أن يأخذَ
حذره، ويحمي نفسه من كلِّ شر وضرر، ويستدرك أمره؛ فيصحح خطأه، ويصلح ما
أفسد، ويتعاطى لكلّ شيء أسبابَه، ويسلك إليه السَّبيلَ المشروع مستفيداً من
العلوم، سائراً في دروب السَّلامة والأمن.
أما الذين يُهملون الأسبابَ،
ويفرّطون بالواجبات، ويُعَرِّضون أنفسَهم للضرر والضرار، حتى إذا انزلقوا
إلى خطرٍ، أو صاروا إلى ما لا تُحمد عُقباه، تعلَّلوا بالقضاء والقدر، فهم
يجهلون، أو يتجاهلون، أنَّ ما فعلوه انتحارٌ، أو سعيٌ لانهيار، أو اندثار،
يسألون عنه، ويعاقبون.
وما أجمل أن نذكّر هنا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اعقلها وتوكَّل»( رواه الترمذي وابن حبان) فلا عُذْرَ لمهملٍ، أو مفرط، أو مسيء، أو مفسد، أو جاهل:
قال الله تعالى(وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) [المرسلات: 36]
إذ لا عُذْرَ لهم.
أما
مصيبةُ الموت فلا مجال للحذر منها، ولا محيص عنها، فهي مرتبطةٌ بانقضاء
الأجل. وخلاصة ما يُطالب به المؤمنُ المسلم أن يَستقيم دائماً، فإذا جاءته
المنيةُ فجأة ذهبَ إلى الله راضياً مرضياً:
قال الله تعالى(وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]
والله تعالى يخاطبه فيقول له:
قال
الله تعالى(يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى
رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي
جَنَّتِي) [الفجر: 27-30]
ولله درُّ مضن قال:
هو الموتُ لم ينْج منه امرؤ ولو أنه في بروجٍ تُشَيَّد
يموتُ الصَّغيرُ كما أنه يموتُ الكبير فهل من مخلد؟!
وما المرءُ إلا رهينُ الردى فسبحانَ الذي بالبقاء تفرَّد
مصابُكَ إن شئتَ تخفيفَهُ ففكّر بموتِ النبيِّ مُحمَّد
ومن قال:
إنَّ الطبيبَ له في الطبِّ معرفةٌ مادام في أجلِ الإنسان تأخيرُ
حتى إذا ما انقضتْ أيامُ مُدَّته حارَ الطبيبُ وخانَتْهُ العَقَاقِيرُ
وقد
أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نطلبَ السلامة، وأن لا ندعوَ بشر
أو سوء، خشية أن تُصيب ساعة إجابة، فيستجاب لنا، فنخيب، ونندم، فخيرُ الناس
مَن طال عمره، وحَسُن عمله.
والحياةُ فرصةٌ لعملٍ صالح، فلنغتنم كلَّ
لحظة فيها بالعمل الصالح، يرضي الله تعالى، فنسعد في دنيانا وأخرانا،
والليل والنهار فرصةٌ لمن أراد أن يذكَّر أو أراد شكوراً:
يا نفسُ إني قائلٌ فاستمعي مقالةً من مرشدٍ ناصح
ما صاحبَ الإنسان في قبره غيرُ التقى والعمل الصالح
وفي القرآن الكريم أدلَّةٌ كثيرة على حرية التصرف، ونسبة العمل من خير أو شر إلى العبد نفسه، مختاراً دون إكراه:
قال الله تعالى(وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ) [الرعد: 27]
قال تعالى:
(فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً) [المزمل: 19]
(فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآباً) [النبأ: 39]
(لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ ) [التكوير: 28]
(لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ) [المدثر: 37]
( كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ * فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ) [المدثر: 54-55]
(إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لَأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا) [الإسراء: 7]
(لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ) [النحل: 30]
وفي الفاتحة:
(صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) [الفاتحة: 7]
ولم يقل: - ولا المضلَّلين – فهم قد ضلُّوا مختارين، ولذا جاءتْ بصيغة اسم الفاعل لا المفعول.
ويظهرُ
لك ذلك جليًّا في موقف المشركين واعتذارهم يوم الدِّين، حين يُظهر الحق،
ويعلن، وتلزمهم الحجة فيندمون حيث لا ينفع الندم، ويتمنون العودة إلى
الدنيا من جديد ليصلحوا حالهم، ويستدركوا أمرهم، ولكنهم لا يُجابون؛ لأنهم
كاذبون، مصرُّون على الضلال والكفر باختيارهم، ولو ردّوا إلى الدنيا لعادوا
لما نُهُوا عنه من كفر وضلال، ففي سورة الأنعام [27 و 28]:
قال
الله تعالى(وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا
لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ * بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ
وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ
لَكَاذِبُونَ)وفي سورة المؤمنون [99-100]:
قال الله تعالى(حَتَّى إِذَا
جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ
صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ
وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)
ويستعتبون بعد أن ينفخ في الصور ويدخلوا جهنم:
قال الله تعالى(أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ) [105]
فيعترفون بضلالهم، وأنهم ضلّوا باختيارهم:
قال الله تعالى(قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ) [106]
ويطلبون الرحمة، وأن يعطوا فرصة أخرى لعلهم يهتدون:
قال الله تعالى(رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ) [107]
فيقرّعون، ويذكّرون باستهزائهم بأهل الحق في الدنيا، والضحك منهم، والإساءة إليهم بإصرار وعناد:
قال
الله تعالى(قَالَ اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ * إِنَّهُ كَانَ
فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا
وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ
سِخْرِيّاً حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ)
[المؤمنون: 108-110]
فالعقابُ عادلٌ، جاء جزاءً وفاقاً لما جنتْ أيديهم، واقترفوا من إثم.
ولعل
هذه العدالة الإلهية الكاملة تتضحُ لنا في سورة العنكبوت الآية [40] حيث
ذكرَ اللهُ تعالى أنواعَ العقاب في الدنيا قبل الآخرة لمن ظلم وكفر،
مبيِّناً أنَّ ذلك العقابَ إنما نزلَ بهم لظلمهم:قال الله تعالى(فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً)
- أي: كقوم لوط -:قال الله تعالى(وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ)
- أي: كأهل مدين -:قال الله تعالى(وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ)
- أي: كقارون وأمثاله -:قال الله تعالى(وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا)
- أي: كقوم نوح الكافرين وفرعون وأعوانه -:قال الله تعالى(وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)
وآيات سورة سبأ [15-17] تدعم هذا المعنى بوضوح:
قال
الله تعالى(لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ
يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ
بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا
عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ
ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ
جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ)
فالعقابُ الذي نزل بهم هو عقابٌ عادلٌ بسبب كفرهم بأنهم الله، وإعراضهم عن أوامره.
وفي سورة النبأ الآيات [21-30]:قال
الله تعالى(إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً * لِلطَّاغِينَ مَآباً *
لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً * لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً
* إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً * إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً * جَزَاءً
وِفَاقاً * إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَاباً * وَكَذَّبُوا
بِآياتِنَا كِذَّاباً * وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً * فَذُوقُوا
فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَاباً)
وجملتا:
قال الله تعالى(إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَاباً * وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا كِذَّابا)
جملتان تعليليتان، تبينان سببَ ما نزلَ بأهل جهنم من عقاب، وما قُدِّم لهم من شراب.
أَمَّا حديث:قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم«إِنَّ أحدكم ليجمعُ خَلْقُهُ في بطن أمه
أربعين ليلة، ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسلُ إليه
الملك فينفخ فيه الروح، ويُؤمر بأربع كلمات: أجله، وعمله، ورزقه، وشقي أو
سعيد»(رواه البخاري ومسلم).
فالذي يتضحُ
لي أن الرواية الرَّاجحة قالت: «ويُؤمر بأربع كلمات» ولم تقلْ: ويكتب، مما
يدلُّ على أنَّ الملك ينفخُ الروح، ويرافق الإنسانَ ليكتب تلك الأربع بعد
وقوعها لا قبله، كما يظن الكثيرون.
ذلك أنَّ الأوامرَ والنَّواهي في
القرآن الكريم، والسُّـنَّة الشريفة، لن يكون منها أيَّة فائدة إذا كانت
تلك الأربع مفروضة قسراً وجبراً على الإنسان – باستثناء الأجل – ولو كان
الأمرُ كذلك لاحتجَّ الكسولُ لكسله، والمتخاذل لتخاذله، والظالم لظلمه،
والمفسد لفساده؛ بالقضاء والقدر. ولأُهملت الفروض والواجبات، وانتشرت
المفاسدُ والموبقات بحجّة أَن الإنسان ريشةٌ في مهبِّ الرياح، قد فُرِض
عليه قولُه وعملُه من الأزل، ولا يملك له تغييراً.
والأدلة القرآنية، والأحاديث الصحيحة، تدعمُ وتؤيد أَنَّ ذلك يُكتب على الإِنسان بعد أن يفعله لا قبله، ولعل أهمّها مايلي.
آية آل عمران [181]:قال
الله تعالى(لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ
فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ
الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ)
ولم يقل: (كتبنا) – في الماضي – بل قال (سَنَكْتُبُ) – في المستقبل –.
وفي سورة التوبة [120]:قال الله تعالى(وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ)
أي: كتب ذلك بعد ما فعلوه، وهذا ما تقتضيه قواعدُ اللغة العربية.
وفي سورة يونس [21]:قال الله تعالى(إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ)
بصيغة المضارع.
وفي سورة الأنبياء [94]:قال الله تعالى(فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ)
أي: باستمرار إلى أن يموت.
وفي سورة يس [12]:قال الله تعالى(إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ )
وفي سورة الزخرف [19]:قال الله تعالى(سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلونَ)
وفي سورة الزخرف [80]:قال الله تعالى(أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ)
بصيغة المضارع المفيد للحاضر والمستقبل.
وفي سورة ق [18]:قال الله تعالى(مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)
أي: يرافقه ملك يكتبُ عنه كلَّ شيء.
وفي سورة الانفطار [10-12]:قال الله تعالى(وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ)
فهذه الآياتُ الكريمةُ واضحةُ الدلالة على أنَّ
الملائكة تكتب أقوال وأفعال العباد بعد وقوعها لا قبله، مما يوافق ويؤكِّد
عدل الله تعالى المطلق الكامل:
قال الله تعالى(وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) [الكهف: 49]
العدد السابق
القدر والقضاء
:المعصية
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://oulmestimes6.yoo7.com
 
القدر والقضاء(2): المصيبةُ
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المنتدى والماس تايمز :: المنتديات الإسلامية :: القرآن الكريم-
انتقل الى: